الرياض - ناصر الحربي:
وافق مجلس الوزراء خلال جلسته التي عقدها الاثنين برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود على رؤية المملكة العربية السعودية 2030 وخصصت للنظر في مشروع الرؤية التي وجه – حفظه الله – مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برسمها .
وفيما يلي نص رؤية المملكة العربية السعودية 2030 :
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين..
الافتتاحية:
يسرني أن أقدّم لكم رؤية الحاضر للمستقبل، التي نريد أن نبدأ العمل بها اليوم لِلغد، بحيث تعبر عن طموحاتنا جميعاً وتعكس قدرات بلادنا.
دائما ما تبدأ قصص النجاح برؤية، وأنجح الرؤى هي تلك التي تبنى على مكامن القوة. ونحن نثق ونعرف أن الله سبحانه حبانا وطناً مباركاً هو أثمن من البترول، ففيه الحرمان الشريفان، أطهر بقاع الأرض، وقبلة أكثر من مليار مسلم، وهذا هو عمقنا العربي والإسلامي وهو عامل نجاحنا الأول.
كما أن بلادنا تمتلك قدرات استثمارية ضخمة، وسنسعى إلى أن تكون محركا لاقتصادنا ومورداً إضافيا لبلادنا وهذا هو عامل نجاحنا الثاني.
ولوطننا موقع جغرافي استراتيجي، فالمملكة العربية السعودية هي أهم بوابة للعالم بصفتها مركز ربط للقارات الثلاث، وتحيط بها أكثر المعابر المائية أهمية، وهذا هو عامل نجاحنا الثالث.
وهذه العوامل الثلاثة هي مرتكزات رؤيتنا التي نستشرف آفاقها، ونرسم ملامحها معاً.
في وطننا وفرةٌ من بدائل الطاقة المتجددة، وفيها ثروات سخية من الذهب والفوسفات واليورانيوم وغيرها. وأهم من هذا كله، ثروتنا الأولى التي لا تعادلها ثروة مهما بلغت: شعبٌ طموحٌ، معظمُه من الشباب، هو فخر بلادنا وضمانُ مستقبلها بعون الله، ولا ننسى أنه بسواعد أبنائها قامت هذه الدولة في ظروف بالغة الصعوبة، عندما وحدّها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه. وبسواعد أبنائه، سيفاجئ هذا الوطن العالمَ من جديد.
لسنا قلقين على مستقبل المملكة، بل نتطلع إلى مستقبل أكثر إشراقاً، قادرون على أن نصنعه – بعون الله – بثرواتها البشرية والطبيعية والمكتسبة التي أنعم الله بها عليها، لن ننظر إلى ما قد فقدناه أو نفقده بالأمس أو اليوم ، بل علينا أن نتوجه دوماً إلى الأمام.
إن مستقبل المملكة، أيها الإخوة والأخوات، مبشر وواعد، بإذن الله، وتستحق بلادنا الغالية أكثر مما تحقق. لدينا قدراتٌ سنقوم بمضاعفة دورها وزيادة إسهامها في صناعة هذا المستقبل، وسنبذل أقصى جهودنا لنمنح معظم المسلمين في أنحاء العالم فرصة زيارة قبلتهم ومهوى أفئدتهم.
نريد أن نضاعف قدراتنا: نريد أن نحول أرامكو من شركة لإنتاج النفط إلى عملاق صناعي يعمل في أنحاء العالم، ونحوّل صندوق الاستثمارات العامة إلى أكبر صندوق سيادي في العالم، وسنحفز كبريات شركاتنا السعودية لتكون عابرة للحدود ولاعبا أساسيا في أسواق العالم. ونشجع الشركات الواعدة لتكبر وتصبح عملاقة. حريصون على أن يبقى تسليح جيشنا قويا، وفي نفس الوقت نريد أن نصنّع نصف احتياجاته العسكرية على الأقل محلياً، لنستثمر ثروتنا في الداخل، وذلك من أجل إيجاد المزيد من الفرص الوظيفية والاقتصاديّة.
سنخفف الإجراءات البيروقراطية الطويلة، وسنوسع دائرة الخدمات الإلكترونية، وسنعتمد الشفافية والمحاسبة الفورية، حيث أنشئ مركز يقيس أداء الجهات الحكومية ويساعد في مساءلتها عن أي تقصير. سنكون شفافين وصريحين عند الإخفاق والنجاح، وسنتقبل كل الآراء ونستمع الى جميع الأفكار.
هذه توجيهات سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود يحفظه الله، حيث أمرنا بأن نخطط لعمل يلبي كل الطموحات ويحقق جميع الأمنيات.
وبناء على توجيهه، حفظه الله، وبدءاً من هذا اليوم، سنفتح بابا واسعا نحو المستقبل، ومن هذه الساعة سنبدأ العمل فورا من أجل الغد، وذلك من أجلكم – أيها الإخوة والأخوات – ومن أجل أبنائكم وأجيالنا القادمة.
ما نطمح إليه ليس تعويض النقص في المداخيل فقط، أو المحافظة على المكتسبات والمنجزات، ولكن طموحنا أن نبنيَ وطناً أكثر ازدهاراً يجد فيه كل مواطن ما يتمناه، فمستقبل وطننا الذي نبنيه معاً لن نقبل إلا أن نجعله في مقدمة دول العالم، بالتعليم والتأهيل، بالفرص التي تتاح للجميع، والخدمات المتطورة، في التوظيف والرعاية الصحيّة والسكن والترفيه وغيره.
نلتزم أمامكم أن نكون من أفضل دول العالم في الأداء الحكومي الفعّال لخدمة المواطنين، ومعاً سنكمل بناء بلادنا لتكون كما نتمناها جميعاً مزدهرةً قويةً تقوم على سواعد أبنائها وبناتها وتستفيد من مقدراتها، دون أن نرتهن إلى قيمة سلعة أو حراك أسواق خارجية.
نحن نملك كل العوامل التي تمكننا من تحقيق أهدافنا معاً، ولا عذر لأحد منا في أن نبقى في مكاننا، أو أن نتراجع لا قدر الله .
رؤيتنا لبلادنا التي نريدها، دولة قوية مزدهرة تتسع للجميع، دستورها الإسلام ومنهجها الوسطية، تتقبل الآخر. سنرحب بالكفاءات من كل مكان، وسيلقى كل احترام من جاء ليشاركنا البناء والنجاح.
في المرتكزات الثلاثة لرؤيتنا: العمق العربي والإسلامي، والقوة الاستثمارية، وأهمية الموقع الجغرافي الاستراتيجي؛ سنفتح مجالا أرحب للقطاع الخاص ليكون شريكا، بتسهيل أعماله، وتشجيعه، لينمو ويكون واحدا من أكبر اقتصادات العالم، ويصبح محركا لتوظيف المواطنين، ومصدرا لتحقق الازدهار للوطن والرفاه للجميع. هذا الوعد يقوم على التعاون والشراكة في تحمل المسؤولية.
لقد سمينا هذه الرؤية بـ (رؤية المملكة العربية السعوديّة 2030)، لكننا لن ننتظر حتى ذلك الحين، بل سنبدأ فوراً في تنفيذ كل ما ألزمنا أنفسنا به، ومعكم وبكم ستكون المملكة العربية السعودية دولة كبرى نفخر بها جميعا إن شاء الله تعالى.
محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود
رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية
رؤيتنا:
” السعوديّةُ .. العمقُ العربيُّ والإسلامي..
قوةٌ استثماريةٌ رائدة .. ومحورُ ربط القارات الثلاث”
المقدّمة:
لقد حبانا الله في المملكة العربية السعودية مقوّمات جغرافية وحضارية واجتماعية وديموغرافية واقتصادية عديدة، تمكّننا من تبوء مكانة رفيعة بين الدول القيادية على مستوى العالم. ورؤية أي دولة لمستقبلها تنطلق من مكامن القوة فيها، وذلك ما انتهجناه عند بناء رؤيتنا للمملكة العربية السعودية للعام (1452هـ ـ 2030م). فمكانتنا في العالم الإسلامي ستمكننا من أداء دورنا الريادي كعمق وسند لأمتينا العربية والإسلامية، كما ستكون قوتنا الاستثمارية المفتاح والمحرّك لتنويع اقتصادنا وتحقيق استدامته. فيما سيمكّننا موقعنا الاستراتيجي من أن نكون محوراً لربط القارات الثلاث.
تعتمد رؤيتنا على (3) محاور وهي المجتمع الحيوي والاقتصاد المزدهر والوطن الطموح، وهذه المحاور تتكامل وتتّسق مع بعضها في سبيل تحقيق أهدافنا وتعظيم الاستفادة من مرتكزات هذه الرؤية.
تبدأ رؤيتنا من المجتمع، وإليه تنتهي، ويمثّل المحور الأول أساساً لتحقيق هذه الرؤية وتأسيس قاعدة صلبة لازدهارنا الاقتصادي. ينبثق هذا المحور من إيماننا بأهمية بناء مجتمع حيوي، يعيش أفراده وفق المبادئ الإسلامية ومنهج الوسطية والاعتدال، معتزّين بهويتهم الوطنية وفخورين بإرثهم الثقافي العريق، في بيئة إيجابية وجاذبة، تتوافر فيها مقوّمات جودة الحياة للمواطنين والمقيمين، ويسندهم بنيان أسري متين ومنظومتي رعاية صحية واجتماعية ممكّنة.
وفي المحور الثاني الاقتصاد المزدهر، نركّز على توفير الفرص للجميع، عبر بناء منظومة تعليمية مرتبطة باحتياجات سوق العمل، وتنمية الفرص للجميع من روّاد الأعمال والمنشآت الصغيرة إلى الشركات الكبرى. ونؤمن بتطوير أدواتنا الاستثمارية، لإطلاق إمكانات قطاعاتنا الاقتصادية الواعدة وتنويع الاقتصاد وتوليد فرص العمل للمواطنين. ولإيماننا بدور التنافسية في رفع جودة الخدمات والتنمية الاقتصادية، نركّز جهودنا على تخصيص الخدمات الحكومية وتحسين بيئة الأعمال، بما يسهم في استقطاب أفضل الكفاءات العالميّة والاستثمارات النوعيّة، وصولاً إلى استغلال موقعنا الاستراتيجي الفريد.
ولأن الفاعلية والمسؤولية مفهومان جوهريان نسعى لتطبيقهما على جميع المستويات لنكون وطناً طموحاً بإنتاجه ومنجزاته. ولذلك، نركز في المحور الثالث من الرؤية على القطاع العام، حيث نرسم ملامح الحكومة الفاعلة من خلال تعزيز الكفاءة والشفافية والمساءلة وتشجيع ثقافة الأداء لتمكين مواردنا وطاقاتنا البشرية، ونهيئ البيئة اللازمة للمواطنين وقطاع الأعمال والقطاع غير الربحي لتحمل مسؤولياتهم وأخذ زمام المبادرة في مواجهة التحديّات واقتناص الفرص.
وفي كل محور من محاور الرؤية، قمنا بسرد عدد من الالتزامات والأهداف، والتي تمثّل نموذجا ممّا سنعمل على تحقيقه، وتعكس طموحنا بالأرقام. كما سيتّم اعتماد الرؤية كمرجعية عند اتخاذ قراراتنا، للتأكد من مواءمة المشاريع المستقبلية مع ما تضمنّته محاور الرؤية وتعزيز العمل على تنفيذها.
وحرصاً على توضيح آليات العمل والخطوات القادمة، فقد قمنا بسرد بعض البرامج التنفيذية التي بدأ العمل عليها في مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وبرامج أخرى تمثّل نماذج من البرامج التي ستطلق قريباً في سبيل تحقيق أهدافنا والتزاماتنا.
إن استدامة نجاحنا لا تكون إلا باستدامة مقومات هذا النجاح، وهذا ما نأمل أن تحققه رؤيتنا التي تنبع من عناصر قوتنا وتقود في المحصّلة إلى استثمار هذه المقوّمات بشكل أكثر استدامة بإذن الله.
1.1.2 نُسخّر طاقاتنا وإمكاناتنا لخدمة ضيوف الرّحمن
تبوأت المملكة العربية السعودية مكانةً مرموقةً في العالم، وأصبحت عنواناً لكرم الضيافة وحسن الوفادة، واستطاعت أن تحقق مكانةً مميزةً في قلوب ضيوف الرحمن والمسلمين في كلّ مكان، وقد شرفنا الله بخدمة الحرمين الشريفين وحجاج بيت الله الحرام والمعتمرين والزوار. وفي هذا السياق، قمنا مؤخراً بتنفيذ توسعة ثالثة للحرمين الشريفين، وتطوير مطاراتنا وزيادة طاقتها الاستيعابية، كما أطلقنا مشروع “مترو مكة المكرمة”، استكمالاً لمشروع قطار المشاعر المقدسة وقطار الحرمين. بالإضافة إلى ذلك، عززنا منظومة شبكة النقل من أجل تسهيل الوصول إلى الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة وتمكين ضيوف الرحمن من أداء فريضة الحج والعمرة والزيارة بكل يسر وسهولة، وبفضل الله تضاعف عدد المعتمرين من خارج المملكة (3) مرات خلال العقد الماضي حتى بلغ (٨) ملايين معتمر.
ونحن لا ندخر وسعاً في بذل كل جهد وتوفير كل ما يلبي احتياجات ضيوف الرحمن ويحقق تطلعاتهم، ونؤمن بأن علينا أن نضاعف جهودنا لنبقى رمزاً لكرم الضيافة وحسن الوفادة، وسنعمل على إثراء رحلتهم الدينية وتجربتهم الثقافية من خلال التوسع في إنشاء المتاحف وتهيئة المواقع السياحية والتاريخية والثقافية وتنظيم زيارتها.
1.1.3 نعتزّ بهويتنا الوطنية
إننا نفخر بإرثنا الثقافي والتاريخي السعودي والعربي والإسلامي، وندرك أهمية المحافظة عليه لتعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ القيم العربية والإسلامية الأصيلة. إن أرضنا عُرفت -على مرّ التاريخ- بحضاراتها العريقة وطرقها التجارية التي ربطت حضارات العالم بعضها ببعض، مما أكسبها تنوعاً وعمقاً ثقافياً فريداً. ولذلك، سنحافظ على هويتنا الوطنية ونبرزها ونعرّف بها، وننقلها إلى أجيالنا القادمة، وذلك من خلال غرس المبادئ والقيم الوطنية، والعناية بالتنشئة الاجتماعية واللغة العربية، وإقامة المتاحف والفعاليات وتنظيم الأنشطة المعززّة لهذا الجانب.
كما سنستمر في العمل على إحياء مواقع التراث الوطني والعربي والإسلامي والقديم وتسجيلها دولياً، وتمكين الجميع من الوصول إليها بوصفها شاهداً حياً على إرثنا العريق وعلى دورنا الفاعل وموقعنا البارز على خريطة الحضارات الإنسانية.
إرسال تعليق
يمكنكم مراسلتنا على vib4367@hotmail.com او واتس اب 0563199685