في الواقع أن نهاية داعش في سوريا لن تنهي الأزمة تماما، بل ستتحول الأنظار إلى مواجهة شقيقه تنظيم النصرة مهما غير من اسمه وتلون وحاول تغطية شمس إرهابه بغربال.
كذلك فإن تواجد العصابات الإرهابية الشيعية أيضا لن ينتهى بهدوء خاصة وأن النفوذ الإيراني يتم عبرها وهي أداة تحاول إيران تثبيت وجودها بها، والضغط ليس على أطراف الثورة السورية ولكن حتى على النظام نفسه.
تركز إدارة ترامب على قتال داعش كأولوية، ويتوقع المراقبون في واشنطن أن مصير الحل للأزمة السورية يأتي ثانيا بعد نهاية داعش، ولكن لو وضعنا سيناريوهات متخيلة حول ما بعد داعش فسنجد أن إدارة ترامب ستجد نفسها أمام دمشق بعد الدخول إلى الرقة.
وقد تسهم العلاقات الطيبة بين الرئيسين ترامب وبوتين في الضغط على جميع أطراف الأزمة السورية لإنهاء الصراع المسلح والالتقاء على طاولة المفاوضات بجدية أكبر. والأهم أن ترامب وبوتين سيتمتعان بالضغط على حلفائهما والحصول على تنازلات من أجل الحل.
بالطبع سيتمكن ترامب من الضغط على تركيا وكافة القوى الإقليمية للتوقف عن دعم التنظيمات الإسلاموية المتطرفة، كما سيعمل بوتين على إقناع بشار الأسد بالتنازل عن شرط البقاء على كرسي الحكم.
لكن هل ينجح الاثنان في ذلك؟. من الصعوبة تصور هذا المشهد، لكن من السهولة رؤية أن روسيا ستتحرك مع الولايات المتحدة للوصول الى حلول.
سنشهد كرا وفرا بين الرئيسين وبين حلفائهما. من يستطيع منهما الضغط أكثر على رفاقه، وسنشهد بداية الخلافات بين روسيا وإيران التي تصر على بقاء بشار الأسد حاكما، إذ أن في رحيله نهاية للاستثمار الإيراني في المنطقة، كما لن يؤثر على نفوذها في سوريا فقط، بل أيضا في لبنان حيث سيجد حزب الله نفسه محاصرا بقوى تعاديه وتريد الانتقام منه.
ما ستعمل عليه إيران هو بقاء الوضع كما هو، حرب دامية، ودعم منها، خاصة أنها تقاتل هناك عبر أنصارها لا بجيشها هذا إذا استثنينا مشاركة بعض أفراد الحرس الثوري.
الروس من جانبهم يستفيدون من بقاء بشار الأسد محتاجا لهم، ولكنهم أيضا يعلمون أن الثمن الذي سيدفعه بشار ليس بحجم تضحياتهم الاقتصادية، فزيارة سفنهم الحربية لقاعدة طرطوس لا تستحق كل ذلك العناء الباهظ الثمن.
كما يبدو الوضع أن الروس والإيرانيين لا يستفيدون كثيرا من نهاية الأزمة، لذا موقفهم أقوى من موقف ترامب وحلفائه الذين يعانون من أزمات سببها الوضع السوري وأولها انتشار الإرهاب في الغرب، وتدفق اللاجئين، والمكاسب التي تجنيها “القوى المعادية” لهم.
إضافة إلى أن حلفاء ترامب لن يوافقوا على أن تنتهي الأزمة ببقاء الأسد، فكل دماء أكثر من 350 الف سوري لا يمكن أن تسمح للثوار السوريين القاء البندقية دون حصولهم على ثمن يستحق وهو نهاية النظام السوري وذهابه مع الريح.
ومن جانب أخر يتعرض الموقف الغربي لضغوط مهمة منها التفاهم الروسي التركي، وابتعاد أنقره بمواقفها السياسية عن واشنطن، بل الصراع التركي الأوروبي وحملات أردوغان العدائية ضد العواصم الأوروبية، والتي قد تمهد للتعاون بشكل أكبر مع الروس في سوريا وقد نشهد تحولات كما عودنا أردوغان في مواقفه، ولعل احتمال مصالحته مع بشار الأسد أمر ممكن في ظل رصد مواقفه المتغيرة.
كما لا ننسى أن الموقف في العراق أيضا يواجه نفس الأسئلة. فما بعد داعش سيفرض على العراقيين صياغة عمل سياسي جديد، وإشارات العبادي وحتى المالكي تسير في هذا الاتجاه.
كما أن واشنطن أصبحت حاضرة في شكل مختلف وضد إيران في ملفات عديدة، ولعل أهمها العراق، فترامب يرى أن أوباما فرط في المصالح الأميركية في العراق وسلمها لإيران على طبق من ذهب، وترامب الآن يصر على إعادة رسم النفوذ الأميركي في العراق وإبعاد إيران عن التربع بحرية على سدة القرار في بغداد، ولو تابعنا التقارب السعودي العراقي لرأينا كيف أن الرياض التقطت بسرعة هذه التحولات وفتحت نافذة عربية للعراق يؤمل أن تسهم في إبعاده عن إيران.
لكن التساؤل الملح هو هل يمكن للطائفي السياسي أن يتخلص من طائفيته بسهولة؟. الإجابة بسيطة وهي أن الطائفية سلاح شعبوي يستعمله السياسي في العراق لحشد الناس حوله بدعوى الدفاع عن مذهبهم، لكن هذا السلاح يبدو أنه تآكل وصدأ بعد أن أثبت السياسيون العراقيون بفسادهم الكبير أن لا علاقة لهم بالبسطاء، وأن النداءات الحسينية كانت فقط أدوات جذب فقط لا تعبر عن اهتمام ديني بل هي وسائل سياسية بحته.
لذا فمن السهولة للسياسي أن يتغير وينبذ هذه الأدوات ويتمسك بأدوات جديدة لعل أهمها ما وضح في خطاب المالكي الأخير، وهو الخطاب الوطني والحديث عن المصالحة الوطنية والعراق أولا.
بالطبع إيران لن تقف مكتوفة الأيدي وستتحرك عبر عصاباتها لإيقاف عجلة التاريخ والتغيير، فهي تريد إبقاء الوضع في سوريا والعراق كما هو، وستواجه النفوذ الأميركي والعربي في العراق بكل جهدها، ويبقى على الشعب العراقي أن يلتقط غصن الزيتون العربي، وسعفة الإنقاذ الأميركية كي يبتعد عن دوامة التخلف الظلامية.
في الختام، يشير المشهد إلى قرب المواجهة الحقيقية، وأن جميع الأطراف في المنطقة ستضطر للإجابة على الأسئلة المهمة في ملف حل أزمات المنطقة. سنراقب دون صمت.

*منقولة